قصر البارون الأسطوره ... بين الحقيقة والخيال
لايمكن أن تمر بالطريق الرئيسي الآتي من مطار القاهرة الدولي وتحديداً شارع
العروبة بحي مصر الجديدة دون أن يسترعي انتباهك هذا القصر الرائع ,
القابع في سكون و غموض قد يصل بك الي حد الرهبه , علي ربوة عالية تصل
مساحتها لاكثر من 30 ألف متر مربع .. و المعروف باسم
قصــــــــــــر البارون
ولا يمكن أن تلقي بنظرك علي هذا القصر الذي اعتبرته هيئة 'اليونسكو' تحفة
فنية نادرة دون أن تعلو الدهشة قسمات وجهك و تدور في رأسك الاسئلة الحائرة
الواحد تلو الآخر :
ما حكاية هذا القصر البديع ؟
ما حكاية صاحبه ؟
ولماذا سمي بقصر البارون ?
و ماهو سبب أنشائه ?
عاشق الشرق
في نهاية القرن التاسع عشر.. بالتحديد بعد عدة سنوات من افتتاح قناة السويس.. رست علي شاطيء القناة
سفينة كبيرة قادمة من الهند.. وكان علي متن هذه السفينة مليونير بلجيكي يدعي 'ادوارد امبان'.
كان 'ادوارد امبان' يحمل لقب بارون منحه له ملك فرنسا تقديرا لمجهوداته في انشاء مترو باريس حيث كان 'إمبان' مهندسا متميزا.
وكما كان 'ادوارد امبان' مهندسا نابها.. كان أيضا صاحب عقلية اقتصادية
فذة.. حيث اقام عدة مشروعات جلبت له الكثير من الأموال و كان على رأس تلك
المشروعات إنشائه لبنك بروكسيل فى بلجيكا .
وسقط المليونير البلجيكي في غرام الشرق.
عاش 'ادوارد إمبان' سنوات طويلة في الهند وعشق الاساطير القديمة حتي كان
قراره بالبحث عن مكان تاريخي أقدم ولم يجد أمامه سوي مهد الحضارات القديمة
.. أم الدنيا مصـــــــر .
بناء القصر
بمجرد إختيار المليونير البلجيكي للمكان الذي سيعيش فيه ( وهو الظهير
الصحراوي شرق القاهرة ) عكف البارون 'إمبان' علي دراسة الطراز المعماري
الذي سيشيد به بيته في معشوقته القاهرة .. ولأن البارون كان مهتماً أيضاً
بفن العمارة فقد اتخذ قرارا ان يقيم قصراً لا مثيل له في الدنيا كلها.
ولكن بقي اختيار الطراز المعماري مشكلة تؤرق العاشق البلجيكي حتي عثر علي
ضالته المنشودة داخل أحد المعارض الفنية في العاصمة الفرنسية 'باريس' .. في
هذا المعرض وقعت عيناه علي تصميم لقصر غاية في الروعة ابدعه فنان فرنسي
اسمه 'الكسندر مارسيل' .. كان التصميم شديد الجاذبية وكان خليطاً رائعاً
بين فن العمارة الأوروبي و فن العمارة الهندي.
لم يتردد البارون ' ادوارد امبان' للحظة.. اشتري التصميم من 'مارسيل' وعاد
به إلي القاهرة .. وسلم التصميم لعدد من المهندسين الإيطاليين والبلجيك
ليشرعوا في بناء القصر علي الربوة العالية التي حددها لهم البارون في صحراء
القاهرة.
بعد خمس سنوات.. خرجت التحفة المعمارية من باطن الصحراء. تحفة فنية تضاهي - تاج محل بالهند - كما أكدت هيئة اليونسكو .
ولد قصر البارون ' امبان' في عام 1905 كأول مبني سكني في ضاحيه مصر الجديده
في عهد السلطان حسين كامل الذي حضر مراسم أفتتاحه وأعجب به أعجاباً شديداً
حيث رأي القاهره كلها من خلاله وصولاً إلي الأهرامات في ذلك الوقت حيث
يتمتع القصر بخاصيه فريده فقد تم إنشاء قصر البارون بحيث لا تغيب عنه
الشمس و ذلك من خلال قاعدة خرسانية ترتكز علي 'رولمان بلي' و قد نفذها
المصريون .. و هذه القاعدة تدور فوق عجلات متحركة بحيث يلف القصر بمن فيه
دوره كامله كل ساعه ليري الواقف في شرفة القصر كل ما يدور حوله و هو في
مكانه .. و هذه الخاصية التي يتمتع بها قصر البارون لم تتحقق سوي لقصرين
فقط في الدنيا .. هذا القصر و قصر السكاكيني بالقاهره .
ويوجد داخل القصر ساعة أثرية قديمة لا مثيل لها إلا في قصر باكنجهام الملكي
بلندن توضح الوقت بالدقائق و الساعات و الأيام و الشهور و السنين مع توضيح
تغييرات أوجه القمر ودرجات الحرارة .
هذه التحفة المعمارية الخلابة توسطت مساحة تقدر بحوالي 6 افدنة وكانت
حديقته التي بني القصر وسطها تماما تضم أندر و أبدع أنواع الزهور و ازدانت
بالتماثيل المصنوعة من المرمر والرخام والتي تمثل رموز الاساطير الهندية
والاغريقية.
ضاحية مصرالجديدة
في نفس هذا العام 1905 باعت الحكومة المصرية مساحة 5952 فدانا صحراويا إلي
باغوث نوبار باشا و إلي 'ادوارد امبان' وذلك لانشاء مشروعات اسكان في
المنطقه الصحراويه في ذلك الوقت المحيطه بالقصر وتشغيل خط مترو لربطها
بالقاهرة نظرا للتوسع العمراني.. و اسرع البارون 'امبان' بخبرته السابقة في
مجال العمارة و انشاء المترو في تنفيذ مشروعاته المتعددة بالضاحية الجديدة
. واختار لها اسم هليوبوليس أي مدينة الشمس [ حي مصر الجديده ] وكان
البارون 'امبان' كلما انتهي من مشروع راح يحث الحكومة المصرية علي اعطائه
مساحات أخري من الأراضي الصحراوية شمال شرق العاصمة..
وكان المليونير البلجيكي يشتري الفدان بسعر جنيه واحد (!).
و بالجهد والعرق.. تحولت الصحراء إلي مدينة متكاملة تحتوي علي فيلات و شقق
سكنية و مضمار لسباق الخيل و سوق وحدائق و محلات تجارية و فندق فخم
(هليوبلس بالاس) القديم وهو أحد القصور الوطنيه الآن .
و انطلقت الطبقة الارستقراطية إلي المدينة الجديدة وتبعهم اعضاء الجاليات
الاجنبية ومساعدهم علي ذلك انشاء شركة حديد مصر الكهربائية (المترو) و
اقامة خطوط ترام سريعة ربطت الضاحية الوليدة بقلب العاصمة حيث تم تشغيل 27
قاطرة عام 1910 و اقيم لموظفي هذه الشركة 400 مسكن وعدد من المحلات
التجارية .
وفي عام 1925 أصبح عدد سكان ضاحية مصر الجديدة حوالي 25 ألف نسمة.
النهاية
بالتأكيد كانت أسعد لحظات حياة البارون 'امبان' هي لحظة انتهائه من انشاء
المدينة الجديدة هليوبوليس أو مدينة الشمس ( حي مدينة الجديدة ) التي تميزت
بطابع معماري راق.. ولكن! كما يقولون : السعادة عمرها قصير.
فقد شعر البارون ' امبان ' وسط افراحه بانتهاء مشروعه العملاق بآلام رهيبة
تنهش جسده .. وطار الرجل إلي باريس ليكتشف اصابته بالسرطان. وعبثا حاول
الاطباء الفرنسيون تخفيف آلام المليونير البلجيكي والذي سلم بمصيره وقدره ,
و قرر العودة بأقصي سرعة ليرتاح الراحة الأبدية في معشوقته مصر.. و بالفعل
عاد البارون 'امبان' إلي محبوبته و اغمض عينيه للمرة الأخيرة.
مات البارون 'امبان'. و بناء علي وصيته تم دفنه في مصر وتحديداً في ساحة
كنيسة 'البازليك' و هي تحفه معماريه والقريبة من قصره الرائع والمتصلة بهذا
القصر بسرداب يبلغ طوله أكثر من 5،2 كيلو متر تحت الأرض بغرفه سريه
سميت بالغرفه المسحوره لم يفصح عنها أدوار الي أي أحد حتى على"مريام" ابنته
و أخته البارونة "هيلانة" المقيمين معه في القصر في هذا الوقت .
مزاد علني!
في نهاية شهر ابريل من عام 1954 أعلنت المجموعة البلجيكية التي تتولي ادارة
شئون 'امبان الابن' عرض قصر البارون للبيع من خلال مزاد علني.. وشمل هذا
المزاد ايضا بيع محتويات القصر من تحف واثاث و انتيكات. و عقدت جلسة المزاد
في القصر الجميل.. و اشتري من اشتري التحف والاثاث و المفروشات التي
احتواها القصر الفاخر.. و جاء الدور علي القصر نفسه.. تلك التحفة المعمارية
نادرة التكرار ليرسو المزاد علي 3 من الاثرياء العرب : رجل الأعمال السوري
محمد بهجت الكسم والسفير السعودي محمد علي رضا وشقيقه علي علي رضا. ودفع
الثلاثة في القصر البديع مبلغ مائة وستين ألف جنيه '!'ولم يستخدم القصر
وترك مهجورا بإستثناء بعض العروض من السينما العالميه بالتصوير داخله
لأفلام الرعب وفيلم مصري واحد [ الهارب ] و فيديو كليب .
في عام 1993 أبلغ المحيطين بالقصر بأنه يضئ ليلاً ويسمعون ضجيج الأصوات
بداخله ظناً منهم أنه أصبح مسكوناً من الجان نتيجه هجره سنوات طويله !!
وعند تدخل السلطات وجد مجموعه من الشباب حديثي السن قد تسللوا أليه من
خلال أحد النوافذ ليقيموا طقوس عقائديه بما هو مخالف للشرائع السماويه
وأنهم علي أتصال روحاني بهيلانه أخت البارون فتم ألقاء القبض عليهم .
وفي عام 1995و باتفاق وزارة الاسكان والتعمير مع ورثة ملاك القصر علي شراء
قصر البارون 'امبان' بما قيمته 50 مليون دولار..ليصبح هذا القصر الجميل
ملكا لمصر في ذلك العام وحيث تولت وزارة الاسكان عمليات ترميمه بمشاركة
وزارة الثقافة. لأنقاذ هذا الاثر التاريخي من الضياع في أحتفاليه مرور مائة
عام علي انشاء حي مصر الجديدة عام 1995 ...